روائع مختارة | قطوف إيمانية | الرقائق (قوت القلوب) | أن الإعاقة في العقل لا الجسد

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
روائع مختارة
الصفحة الرئيسية > روائع مختارة > قطوف إيمانية > الرقائق (قوت القلوب) > أن الإعاقة في العقل لا الجسد


  أن الإعاقة في العقل لا الجسد
     عدد مرات المشاهدة: 2641        عدد مرات الإرسال: 0

أحمد السمري‏...إنتهاء معاناة البحث عن وظيفة بإنشاء مصنع للتطريز بالكمبيوتر.

عاش حياة طبيعية في مرحلة الطفولة والمراهقة‏،‏ ولأنه كان شابا حالما وطموحا‏،‏ يصيب أحيانا‏،‏ ويخطئ أحيانا‏،‏ فقد مر في رحلة حياته بصدمات عدة‏،‏ لكنه كان يخرج من كل صدمة قويا وثابتا ومتفائلا‏.

بل حاول إستغلال كل طاقته ليثبت للجميع أنه ما دام يمتلك عقلا سليما فليس معاقا.. لأنه علي يقين بأن العقل قادر علي أن يصنع من الجحيم نعيما، ومن النعيم جحيما.

يقول أحمد السمري -34 عاما: كان عمري عامين تقريبا عندما أصبت بنزلة شعبية حادة تبعها إرتفاع في درجة الحرارة، ونظرا للتشخيص الخاطئ للطبيب، تم حقني في الساق اليمني، مما أدي إلي ضمور في عضلات الساق، وموت نهائي للعصب، ومن هنا بدأت رحلة العلاج، وقد إستجابت الساق اليسري بنسبة 50%، ولكن الساق اليمني لم تستجب نهائيا، فأصبحت أتحرك بعكازين، وهما الوسيلة الوحيدة للاستمتاع بالحياة، وكنت ألهو وألعب وأمرح مثل أي طفل، ولم أكن أشعر بفارق بيني وبين أي طفل أخر، ودخلت المدرسة، وأنهيت المرحلتين الإبتدائية والإعدادية من دون أدني مشكلة، وعندما وصلت إلي الثانوية العامة كان من المفترض أن أجري عملية جراحية لتسهم في علاجي، وفي حالة عدم نجاحها يتم بتر قدمي، لذلك لم أجرها، وإكتفيت بفرد الركبة، وزرع أوتار فقط، ولكن لم تتغير حالتي الصحية بل تحسن شكل القدم فقط.

¤ الجامعة.. والتحدي:

عن مرحلة الجامعة التي يراها محطة فارقة في حياته يقول السمري: بعد حصولي علي الثانوية العامة التحقت بكلية التجارة بجامعة طنطا، وشاركت في كورال الجامعة، وتمكنت من تكوين علاقات إنسانية وإجتماعية جيدة إلي أن جاء الإعلان عن معسكر إعداد القادة الذي يقام بجامعة حلوان، وكان بمثابة حجر عثرة في حياتي، لأني كنت أشعر بأن الإعاقة حاجز بيني وبين المجتمع نتيجة النظرة السلبية للمعاق، حيث تقدمت للمشاركة في المعسكر، وبالفعل تم اختياري، وبعد ذلك فوجئت بحجب اسمي عن قوائم المشاركين في المعسكر، وعندما ذهبت للإستفسار عن السبب كان الرد صادما حيث قال لي مدير رعاية الشباب: المعاقون ليس لهم في المعسكرات..هناك رحلات مخصصة للمعاقين أبقي اسال عنها!

يستدرك: لكن ثقتي الكبيرة في قدرتي علي المشاركة، وتحمل مشقة الالتزام -لأنه معسكر عسكري- جعلتني أتصل بمكتب رئيس جامعة طنطا، وتم تحديد موعد للمقابلة بعد48 ساعة، فشعرت بأن تلك المكالمة أثلجت صدري، ومحت إهانة مدير رعاية الشباب لي، وذهبت في الموعد المحدد، ولكن كانت المفاجأة، هجوما حادا علي من مديرة مكتب رئيس الجامعة، وإعترضت علي كلامي قائلة: معسكر إيه اللي عايز تروحه بظروفك دي؟! وغادرت المكتب وبقيت في المنزل أسبوعا كاملا لا أتحدث مع أحد ثم كتبت خطابا بعلم الوصول إلي رئيس الجامعة، وتم حفظه، فإعتصمت أمام مكتبه إلي أن قابلته، ووعدني بأن أشارك في المعسكر، ومضي الوقت من دون مشاركة، ولكن بسبب إصراري شاركت في المعسكر نفسه في العام التالي، بل توليت قيادة الفوج، وركزت كل طاقتي في تحقيق المركز الأول لجامعة طنطا، وبالفعل حدث ذلك، وشهد الجميع بأن فريق جامعة طنطا كان أكثر التزاما وتميزا عن بقية المشاركين من جامعات مصر.

¤ رحلة العمــل:

يضيف السمري: في أثناء الجامعة أقمت مشروعا لتربية الأرانب، وحققت نسبة ربح معقولة إدخرتها، وبعد التخرج سافرت إلي الغردقة بحثا عن عمل، وذهبت إلي كل القري السياحية، وكان الجميع يندهش، كأني أطلب المستحيل، وبرغم ذلك لم أيأس، وعدت إلي المحلة الكبري مرة أخري، وعملت محاسبا بأحد المصانع الصغيرة الخاصة بالتطريز بالكمبيوتر، وكان وقتها مجالا حديثا لا يتقنه الكثيرون، لذلك حصلت علي بعض الكورسات الخاصة بالتطريز، مما جعلني أقضي ساعات طويلة تصل إلي18 ساعة بالمصنع، وذلك حتي أعرف كل التفاصيل الخاصة بالماكينات كي أتقن فن التطريز بالكمبيوتر.

ويتابع: كان المصنع ملك شريكين، أحدهما يتصيد لي الأخطاء، ويكلفني بأعباء زيادة علي عملي لإستبعادي، إلي أن جاء يوم، وتأخرت عن موعد العمل بالإتفاق مع صاحب المصنع الثاني، ولكن وجدت أن العمل الذي كنت أقوم به تم توزيعه علي العاملين، وأني ليس لي وجود، ودار حوار بين مالكي المصنع إنتهي إلي عودتي مرة أخري، ولكن لم أوافق، وبحثت عن فرصة أخري للعمل، ووجدتها في مصنع بالإسكندرية، وكنت أقيم في المصنع بعد إنتهاء ساعات العمل لعدم وجود سكن لي، وإستمر الوضع، ولكن حدثت مشكلة بعدها تركت العمل، وعدت مرة أخري إلي مسقط رأسي، وتوليت مسئولية أحد مصانع التطريز مرة أخري، ولكثرة مشكلات العمل الخاص قررت أن أنشئ مصنعا للتطريز بالكمبيوتر، ونظرا لإنتشار هذه النوعية من المصانع تخصصت في تطريز الأنتريهات والستائر.

ويكمل السمري: خلال رحلة البحث عن وظيفة كان كل حلمي الحصول علي وظيفة لأتمكن من التقدم إلي الفتاة التي إخترتها لتكون شريكة حياتي، ولكن مرة أخري: حالت نظرة المجتمع بيني وبينها لعدم موافقة والدها بسبب إعاقتي الحركية، وبعد محاولات عدة إنتهت بالفشل حدثت مفارقة عجيبة وافق بعدها والد العروس، ولكنها لم تكن موافقة بل فخا حتي يحاول أن يثبت لإبنته أنني لست جديرا بها، ولكن لم ينجح، وإنتهي الأمر بالزواج، والآن هي أم أبنائي الثلاثة.

ويختتم حديثه قائلا: أحلم بوضع ضوابط لآليات العمل في التصنيع تعطي لمن لا يملك رأس مال ضخما أن يستمر في عمله.. كما أحلم أن يتحول المصنع الصغير إلي مجموعة السمري جروب، التي تضم كل العاملين، ويكون لهم حق في الربح.

يقدمه‏:‏ عامر عبدالله - إجلال راضي.

المصدر: جريدة الأهرام اليومي.